❞ رواية غرفة اسماعيل كافكا ❝  ⏤ شيماء هشام سعد

❞ رواية غرفة اسماعيل كافكا ❝ ⏤ شيماء هشام سعد

غرفة إسماعيل كافكا ، ”بعد قرابة عشرين عامًا من الشلل التام وملازمة الفراش، قرَّر إسماعيل أن يموت يوم الجمعة.“
هكذا قررت كاتبتُنا هذه المرّة في غرفة إسماعيل كافكا أن تُقحمنا داخل عالم بطل روايتها؛ إسماعيل. وهُنا تقع كلمة عالم كمرادف لكلمة غرفة، وهي غرفة لم تخص أبدا بطلُنا وحده بل خصّت كل الأشياء التي باتت بلا قيمة، كل الأشياء الرثّة والقديمة، تلك التي عفا عليها الزمن ونسي أمرها.
استقرّ إسماعيل وسَط الأغراض المُهمَلة، وسَط حقيبتا سفرٍ قد كوّمت فوقهما ذرّات الغبار وعربة أطفالٍ قد شبّ أصحابُها فنبذوها وتناسوا أنها وُجدت.
كرسيّ إسماعيل المتحرّك أو بالأحرى -الذي لا يتحرّك- يتوسط هذا المشهد بكل بعثرتِه، بكل ما يحمله من عبث. طبيبٌ مسجونٌ داخل جسدِه يُسمى إسماعيل، يقرر أن ينهي حياته يوم الجمعة، ولكن كيف؟ كيف وهو الذي لا يستطيع تحريك عضلةٍ واحدة في جسدِه؟ وهل يكفي القرارُ بالموت وحده؟
تجيبني صفحات رواية غرفة إسماعيل كافكا وكأنها تسمع همسي:
”لأنه بالفعل قد ماتَ كثيرا قبل اليوم، ولكن كانت كلها ميتات غير كافية لاستخراجِ شهادة وفاة، وبالتالي لإطلاق سراحَه.“
ثلاثةُ أيامٍ فقط ويأتي اليوم الموعود، ثلاثةُ أيامٍ يأخذنا فيها إسماعيل إلى رحلةٍ يختلطُ فيها واقعه بذكرياته، يقصّ لنا فيها عن كل شخصٍ عبر في حياته أو مكث فيها، كزوجتِه مثلا، تلك التي لا يحبها ولا تحبه، ولكنهما رُزقا بثلاثة أبناء لم يمنحه الزمن فرصةً لحفظ ملامحهم في ذاكرته بعد. يلوحُ طيفُ أبٍ قاسٍ جافّ المشاعر في ذاكرته، وعلى مقرُبة طيف أمٍ راضخة مستسلمة لسطوته التي باتت تحسبُها حقه المستحق.
من خلال أسلوبٍ أخّاذ وسردٍ مُبهر، استطاعت الكاتبة أن تغمسنا في حياةِ إسماعيل، بكل تفاصيلها، ومن خلال كلماته التي لم يكن لها صوتٌ يُسمع إلا من خلال أسطر الرواية، يحكي لنا عن طفولته، عن جريمته الأولى حينَ عرف معها معنى الموت، عن تلك الفتاة التي عشقها وسرقها منه الزمن، وعن الزمن نفسه، ذاك الغريب الذي يمضي وحده غير عابئٍ إن كنّا لا نزال نتبّع خُطاه ونمضي نحن أيضا.
تتزاحمُ الأشياء حوله، وهو ثابتٌ لا يتحرّك، تحيط الرتابة بعالمه الصغير من كل جانب، وحتى ذلك العالم لم يستطع بعد أن يرى زواياه كلها، يرى فقط ما يقع على أطراف نظرِه، نسيَ كيف تبدو نبرة صوته، نسيَ ملامحه القديمة، فما بالُك بملامحٍ قد مرّ عليها عشرون عامًا كاملة دون أن تواجهها مرٱة؟
بين رسائل ابنته المستقرة في الدرجِ الأخير من الكومود الصغير الذي يلاصق سريره، والتي تسكن على بُعد مسافةٍ لا تُذكر من يديه، ولكنه لا يستطيع الوصول إليها لمعرفة ما تحمله، وبين أسئلة عقله المتلاطمة حول العالم الخارجيّ، كيف تغير وكيف صارَ؟ يفتقدُ شعور احتكاك قدميه بالشارع، يفتقدُ حضوره في العالم رغم يقينه أن غيابه عنه لن يُحدث فرقًا.
يمر ماضيه كله أمامه خلال ثلاثة أيام، يستوقف منه ذكرى، يحكي لنا عن حيثياتها، يمنحها حياةً ثم يتركها جانبًا ويستوقفُ أخرى، ترتصّ كلها أمامه فينتقي منها ما هو قابلٌ للحكيْ ويتجاهلُ البقيّة، تفصلُ حكاياته دخول مريم لتغلقَ النافذة أو تعطيه دواءه، يعرفُ جيدًا أنها أكثر من يتمنى موته، ولكنه لا يزال حيًا؛ على الأقل حتى يأتي يومُ الجمعة.
بعضُ الروايات تترك وراءها سؤالًا، وبعضها يترك فكرةً تظلّ تنمو داخلك، أمّا رواية غرفة إسماعيل كافكا فقد تركت عقب انتهاء ٱخر أسطرها داخلي شعورًا بالدفءِ رغم كل ما فيها من قساوة، شعرتُ وكأني أربّت على كتف إسماعيل وأقول له أن هناك بصيصُ أملٍ يلوحُ له من بعيد، حتى وإن بدا خافتًا، وجوده يكفي. هي روايةٌ بديعة، تأخذك داخلها وتُبقيكَ هناك، يحكي لكَ شخصٌ غريبٌ عن طفولتِه وماضيه فتجد نفسك تنصت له بحواسّك كلها
شيماء هشام سعد - شيماء هشام سعد، كاتبة وطبيبة مصرية ، عملت كناقدة أدبية ومدققة ثم اتجهت للكتابة لتميزها القوي في اللغة العربية ، فهي شغوفة بدراستها والكتابة بها.

❰ لها مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ السيدة التى حسبت نفسها سوسة ❝ ❞ غرفة اسماعيل كافكا ❝ الناشرين : ❞ دار المعرفة للطباعة والنشر ❝ ❞ كتوبيا للنشر والتوزيع ❝ ❱
من كتب الروايات والقصص - مكتبة القصص والروايات والمجلّات.


اقتباسات من رواية غرفة اسماعيل كافكا

نبذة عن الكتاب:
غرفة اسماعيل كافكا

2022م - 1445هـ
غرفة إسماعيل كافكا ، ”بعد قرابة عشرين عامًا من الشلل التام وملازمة الفراش، قرَّر إسماعيل أن يموت يوم الجمعة.“
هكذا قررت كاتبتُنا هذه المرّة في غرفة إسماعيل كافكا أن تُقحمنا داخل عالم بطل روايتها؛ إسماعيل. وهُنا تقع كلمة عالم كمرادف لكلمة غرفة، وهي غرفة لم تخص أبدا بطلُنا وحده بل خصّت كل الأشياء التي باتت بلا قيمة، كل الأشياء الرثّة والقديمة، تلك التي عفا عليها الزمن ونسي أمرها.
استقرّ إسماعيل وسَط الأغراض المُهمَلة، وسَط حقيبتا سفرٍ قد كوّمت فوقهما ذرّات الغبار وعربة أطفالٍ قد شبّ أصحابُها فنبذوها وتناسوا أنها وُجدت.
كرسيّ إسماعيل المتحرّك أو بالأحرى -الذي لا يتحرّك- يتوسط هذا المشهد بكل بعثرتِه، بكل ما يحمله من عبث. طبيبٌ مسجونٌ داخل جسدِه يُسمى إسماعيل، يقرر أن ينهي حياته يوم الجمعة، ولكن كيف؟ كيف وهو الذي لا يستطيع تحريك عضلةٍ واحدة في جسدِه؟ وهل يكفي القرارُ بالموت وحده؟
تجيبني صفحات رواية غرفة إسماعيل كافكا وكأنها تسمع همسي:
”لأنه بالفعل قد ماتَ كثيرا قبل اليوم، ولكن كانت كلها ميتات غير كافية لاستخراجِ شهادة وفاة، وبالتالي لإطلاق سراحَه.“
ثلاثةُ أيامٍ فقط ويأتي اليوم الموعود، ثلاثةُ أيامٍ يأخذنا فيها إسماعيل إلى رحلةٍ يختلطُ فيها واقعه بذكرياته، يقصّ لنا فيها عن كل شخصٍ عبر في حياته أو مكث فيها، كزوجتِه مثلا، تلك التي لا يحبها ولا تحبه، ولكنهما رُزقا بثلاثة أبناء لم يمنحه الزمن فرصةً لحفظ ملامحهم في ذاكرته بعد. يلوحُ طيفُ أبٍ قاسٍ جافّ المشاعر في ذاكرته، وعلى مقرُبة طيف أمٍ راضخة مستسلمة لسطوته التي باتت تحسبُها حقه المستحق.
من خلال أسلوبٍ أخّاذ وسردٍ مُبهر، استطاعت الكاتبة أن تغمسنا في حياةِ إسماعيل، بكل تفاصيلها، ومن خلال كلماته التي لم يكن لها صوتٌ يُسمع إلا من خلال أسطر الرواية، يحكي لنا عن طفولته، عن جريمته الأولى حينَ عرف معها معنى الموت، عن تلك الفتاة التي عشقها وسرقها منه الزمن، وعن الزمن نفسه، ذاك الغريب الذي يمضي وحده غير عابئٍ إن كنّا لا نزال نتبّع خُطاه ونمضي نحن أيضا.
تتزاحمُ الأشياء حوله، وهو ثابتٌ لا يتحرّك، تحيط الرتابة بعالمه الصغير من كل جانب، وحتى ذلك العالم لم يستطع بعد أن يرى زواياه كلها، يرى فقط ما يقع على أطراف نظرِه، نسيَ كيف تبدو نبرة صوته، نسيَ ملامحه القديمة، فما بالُك بملامحٍ قد مرّ عليها عشرون عامًا كاملة دون أن تواجهها مرٱة؟
بين رسائل ابنته المستقرة في الدرجِ الأخير من الكومود الصغير الذي يلاصق سريره، والتي تسكن على بُعد مسافةٍ لا تُذكر من يديه، ولكنه لا يستطيع الوصول إليها لمعرفة ما تحمله، وبين أسئلة عقله المتلاطمة حول العالم الخارجيّ، كيف تغير وكيف صارَ؟ يفتقدُ شعور احتكاك قدميه بالشارع، يفتقدُ حضوره في العالم رغم يقينه أن غيابه عنه لن يُحدث فرقًا.
يمر ماضيه كله أمامه خلال ثلاثة أيام، يستوقف منه ذكرى، يحكي لنا عن حيثياتها، يمنحها حياةً ثم يتركها جانبًا ويستوقفُ أخرى، ترتصّ كلها أمامه فينتقي منها ما هو قابلٌ للحكيْ ويتجاهلُ البقيّة، تفصلُ حكاياته دخول مريم لتغلقَ النافذة أو تعطيه دواءه، يعرفُ جيدًا أنها أكثر من يتمنى موته، ولكنه لا يزال حيًا؛ على الأقل حتى يأتي يومُ الجمعة.
بعضُ الروايات تترك وراءها سؤالًا، وبعضها يترك فكرةً تظلّ تنمو داخلك، أمّا رواية غرفة إسماعيل كافكا فقد تركت عقب انتهاء ٱخر أسطرها داخلي شعورًا بالدفءِ رغم كل ما فيها من قساوة، شعرتُ وكأني أربّت على كتف إسماعيل وأقول له أن هناك بصيصُ أملٍ يلوحُ له من بعيد، حتى وإن بدا خافتًا، وجوده يكفي. هي روايةٌ بديعة، تأخذك داخلها وتُبقيكَ هناك، يحكي لكَ شخصٌ غريبٌ عن طفولتِه وماضيه فتجد نفسك تنصت له بحواسّك كلها .
المزيد..

تعليقات القرّاء:



سنة النشر : 2022م / 1443هـ .
عداد القراءة: عدد قراءة غرفة اسماعيل كافكا

اذا اعجبك الكتاب فضلاً اضغط على أعجبني
و يمكنك تحميله من هنا:


شكرًا لمساهمتكم

شكراً لمساهمتكم معنا في الإرتقاء بمستوى المكتبة ، يمكنكم االتبليغ عن اخطاء او سوء اختيار للكتب وتصنيفها ومحتواها ، أو كتاب يُمنع نشره ، او محمي بحقوق طبع ونشر ، فضلاً قم بالتبليغ عن الكتاب المُخالف:

المؤلف:
شيماء هشام سعد - Shaima Hisham Saad

كتب شيماء هشام سعد شيماء هشام سعد، كاتبة وطبيبة مصرية ، عملت كناقدة أدبية ومدققة ثم اتجهت للكتابة لتميزها القوي في اللغة العربية ، فهي شغوفة بدراستها والكتابة بها. ❰ لها مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ السيدة التى حسبت نفسها سوسة ❝ ❞ غرفة اسماعيل كافكا ❝ الناشرين : ❞ دار المعرفة للطباعة والنشر ❝ ❞ كتوبيا للنشر والتوزيع ❝ ❱. المزيد..

كتب شيماء هشام سعد
الناشر:
كتوبيا للنشر والتوزيع
كتب كتوبيا للنشر والتوزيع دار كتوبيا للنشر والتوزيع هي دار نشر مصرية مقرها الإسكندرية تهتم بالإصدارات والروايات التاريخية وكل ما يتعلق بالأدب والمعرفة. ❰ ناشرين لمجموعة من المؤلفات أبرزها ❞ بطولات من التاريخ ❝ ❞ النهاية ت/ ممدوح نصرالله ❝ ❞ عن العشق والسفر ❝ ❞ روائع من حياة الصحابة ❝ ❞ القبر العمودي ❝ ❞ بطعم البيوت ❝ ❞ ارث العوام في الاندلس ❝ ❞ التاريخ كما كان ج 1 ❝ ❞ متجر النوادر القديمة وقصص اخري ❝ ❞ متجر الافكار ❝ ومن أبرز المؤلفين : ❞ تشارلز ديكنز ❝ ❞ مجموعة من المؤلفين ❝ ❞ شيماء هشام سعد ❝ ❞ رانيا الطنوبى ❝ ❞ شيرين هنائى ❝ ❞ مصطفى زهران ❝ ❞ محمد عطية ❝ ❞ إنجي مطاوع ❝ ❞ ممدوح نصرالله ❝ ❞ إبراهيم أحمد عيسى ❝ ❞ محمد جمال ❝ ❞ فريق بصمة ❝ ❞ حميد رضا شاه ❝ ❞ نهي عودة ❝ ❞ حسين عبد البصير ❝ ❞ محمود أحمد هدية ❝ ❞ عبد الحليم جمال ❝ ❞ محمد خميس ❝ ❞ مصطفى نصر زهران ❝ ❞ محمد حمودة ❝ ❞ حجاج حسن محمد ❝ ❞ رولا عادل ❝ ❞ كاندي سمرز ❝ ❞ منير عتيبة ❝ ❞ شروق السيد ❝ ❞ صفا ممدوح ❝ ❞ نشأت يونس ❝ ❞ سارة سيف الدين ❝ ❞ عماد منذر ❝ ❞ إيمان سعودى ❝ ❞ حمزة فهد زايد ❝ ❞ صفاء الجابري ❝ ❞ سيلفان تيسون ❝ ❞ خميلة الجندي ❝ ❞ أنس سعيد محمد ❝ ❞ زكريا عبد الجواد ❝ ❞ يارا ابراهيم ❝ ❞ على احمد حجازى ❝ ❞ خالد عيد ❝ ❱.المزيد.. كتب كتوبيا للنشر والتوزيع